ماذا ينتظر الجنوب اللبناني بعد انسحاب قوات اليونيفل في نهاية العام 2026 ؟

انشأت قوات اليونيفل التابعة للأمم المتحدة عام 1978 بموجب قراري مجلس الأمن 425 و426، وكانت مهمتها الإشراف على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان بعد الغزو الأول، واستعادة السلام الدولي، ومساعدة لبنان على إعادة فرض سلطته في المنطقة.
تم توسيع ولايتها في عام 2006 بموجب القرار 1701، بعد حرب الـ34 يومًا بين إسرائيل وحزب الله، لضمان وقف كامل للأعمال العدائية، ومساعدة الجيش اللبناني في نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة جنوب نهر الليطاني، والحفاظ على وجودها إلى جانب الجيش كالقوة المسلحة الوحيدة في المنطقة.
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صوّت في 28 آب على تمديد ولاية مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) حتى 31 آب 2026.
بعد هذا التاريخ، ستبدأ اليونيفيل “بتقليص سلمي ومنظم وسحب تدريجي” على مدار عام 2027، منهية بذلك ولايتها التي استمرت 48 عامًا في جنوب لبنان.
يأتي قرار إنهاء مهمة اليونيفيل في أحد أكثر اللحظات حساسية في تاريخ لبنان، حيث يُتوقع أن يؤدي انسحاب قوات حفظ السلام إلى زيادة عدم الاستقرار.
على الرغم من أن وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الثاني من العام الماضي بين إسرائيل ولبنان أنهى حرب إسرائيل-حزب الله لعام 2024، لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتل خمسة مواقع استراتيجية في الجنوب.
كما يواصل تنفيذ غارات متكررة ضد مواقع يُزعم أنها تابعة لحزب الله، وقد قاستشهد ما لا يقل عن 310 أشخاص منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وفق بيانات وزارة الصحة.
من الناحية الأمنية وجود اليونيفيل في جنوب لبنان لم يمنع غزو إسرائيل من القيام بغزو لبنان عام 1983 و لا عام 2024. و هذه القوات كانت تتعرض باستمرار لهجمات إسرائيلية.
لذلك، يُتوقع أن يؤدي انسحابها إلى زيادة خطر الاشتباكات العسكرية، وتقليل قدرة الجيش اللبناني على السيطرة على الحدود، وإلغاء دور اليونيفيل السابق كقناة للتفاوض غير المباشر وتهدئة التوترات، مما يجعل من الصعب تخفيف حدة التوتر على طول الحدود.
قالت كيارا روفا، أستاذة العلوم السياسية في جامعة Sciences Po في باريس، لموقع The New Arab إن انسحاب اليونيفيل من المرجح أن يترك فراغًا أمنيًا في جنوب لبنان، إذ سيتوقف دعمها للجيش اللبناني ورصدها للانتهاكات.
وأضافت أن هذا سيؤدي إلى “ارتفاع خطر التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، واحتمال إعادة الاحتلال الإسرائيلي، بدءًا من المواقع الخمسة التي يحتلونها حاليًا، مما قد يؤدي إلى غزو كامل على الأقل لأجزاء من جنوب لبنان عند أول علامة على انعدام الأمن”.
وعلى المدى القصير، من المتوقع أن يستفيد الجيش الإسرائيلي من انتهاء ولاية اليونيفيل، وفقًا لعماد سلامة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في لبنان الذي قال : “بدون المراقبين الدوليين، تحصل إسرائيل على اليد العليا عسكريًا، مع حرية أكبر للتحرك على طول الحدود دون أن تكون مقيدة بالرقابة أو الوساطة.”
كما أن اليونيفيل كانت تعمل كوسيط وقوة عازلة تساعد على احتواء النزاعات ومنع التصعيد، وقد يصبح لبنان أكثر عرضة للخطر عندما يفقد الجيش شريكًا أساسيًا في إدارة الحوادث الأمنية. وأضاف سلامة أن حزب الله، بدوره، سيخسر الغطاء الدبلوماسي الذي وفرته اليونيفيل للمساعدة في إدارة الأزمات الجديدة.
وفقًا لكيارا روفا، فإن إمكانية إنشاء إسرائيل لمنطقة عازلة بعد انسحاب اليونيفيل تتماشى مع عقيدتها العسكرية الحالية، التي تعطي الأولوية للقوة على الحلول الدبلوماسية والسياسية والمؤسسات متعددة الأطراف.
وقالت روفا: “تفكيك اليونيفيل سيضع إسرائيل في موقع مريح، خالية من الشهود أو مراقبة انتهاك الآليات، ومع جيش أكثر استعدادًا وجاهزية قتالية.”
وأضافت: “نظرًا لاحتلالها الحالي لخمسة مواقع في جنوب لبنان، فإن أي علامة على انعدام الأمن أو عدم قدرة الجيش اللبناني على السيطرة على حزب الله والحفاظ على الاستقرار قد تدفع الجيش الإسرائيلي لإنشاء منطقة عازلة أو حتى إعادة احتلال كامل جنوب لبنان، بغض النظر عن إمكانية نزع سلاح حزب الله.”
مع انسحاب قوات حفظ السلام، ستصبح مسؤولية الحفاظ على الاستقرار على طول الحدود أثقل على الحكومة اللبنانية، التي يجب أن تواجه خارجيًا التهديدات الإسرائيلية المستمرة وداخليًا قضية نزع سلاح حزب الله، والتي قد تؤدي إلى أزمة سياسية.
منذ توليه المنصب، عمل رئيس وزراء لبنان نواف سلام والرئيس الجديد جوزيف عون دبلوماسيًا لوقف الهجمات الإسرائيلية، مع التعهد أيضًا باستعادة احتكار الدولة للأسلحة ونزع سلاح جميع الميليشيات، بما في ذلك حزب الله، الذي يرفض بشدة نزع السلاح دون أن تنسحب إسرائيل أولًا من الأراضي اللبنانية وتتوقف عن الهجمات.
في الوقت نفسه، تمارس الولايات المتحدة والسعودية ضغطًا على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح الحزب، وربطت التقدم في هذا الملف بالمساعدات المالية المحتملة لإعادة إعمار لبنان وتعافي اقتصاده.
لكن قضية نزع سلاح حزب الله تبقى منقسمة بشدة داخليًا، مع معارضة سياسية وطائفية كبيرة.
قال الجنرال المتقاعد أندريه بو معشر لموقع TNA إن لبنان عالق في حلقة مفرغة: يحتاج الجيش إلى دعم دولي لبناء القدرات اللازمة لنزع سلاح حزب الله، لكن المساعدات الضرورية محجوبة حتى يبدأ نزع السلاح، وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل العمليات العسكرية وتنتهك الأراضي اللبنانية، مما يعقد هذه الجهود.
وأضاف بو معشر أنه بينما يظل الجيش اللبناني مسؤولًا قانونيًا عن الدفاع عن الأراضي اللبنانية، وإرساء السيادة، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، فإن انسحاب اليونيفيل سيزيد بشكل كبير من هذا العبء.





