قناة بن غوريون و القرار الدولي لتدمير غزة سواء بسبب 7 اكتوبر وبدونها ..
عندما شق فرديناد دي لسبس قناة السويس وربط من خلالها البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر لتكون معبرا للتجارة العالمية ما بين الغرب ( اوروبا ) وبلاد الشرق ( الهند والصين ) كان قرارا دوليا توفيرا للوقت وللجهد والتكاليف بدل قيام السفن التجارية بجولة من اوروبا حتى افريقيا ( رأس الرجاء الصالح ) وصولا الى بلاد الشرق وديليسبس اخذ امتيازا باستثمار القناة لمدة 99 عاما تبدأ من تاريخ افتتاحها وذلك بموافقة الحكومة المصرية يومها .
تم حفر القناة عن طريق سواعد نحو مليون فلاح مصرى، ممن أجبروا على ترك حقولهم وقراهم لكى يشقوا الصحراء فى أجواء من المرض والإهانة، وعملوا فيما يعرف بالسخرة مات خلال عملية الحفر اكثر من 120 الف مصري بسبب الجوع والعطش والمرض
ورغم ان اليد العاملة في حفر قناة السويس هي مصرية 100 % فكانت حصت مصر من ايرادات القناة 15 % ولاحقا تنازلت الحكومة المصرية عن حصتها لصالح فرنسا وبذلك اصبحت القناة تحت سيطرة فرنسا وبريطانيا . الى ان اخذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراره الشهير بتأميم قناة السويس : تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات .
قناة السويس هي المعبر المائي الوحيد حاليا بين الشرق والغرب , وهناك تقارير كثيرة تتحدث عن عزم الكيان العبري على شق قناة بإسم قناة بن غوريون نسبة الى رئيس وزراء اسرئيلي اسبق هو دافيد بن غوريون .
وهذه القناة ستربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط بخطين واحد للذهاب وآخر للإياب بنفس الوقت بعكس قناة السويس التي تمر فيها السفن باتجاه , بانتظار اليوم التالي لتنطلق السفن بالإتجاه المعاكس .
وقناة بن غوريون الإسرائيلية ستمتد من ايلات على خليج العقبة الى قطاع غزة وفي احسن الأحوال الى ميناء اسدود على على البحر المتوسط على بعد مسافة قليلة من قطاع غزة .
ستكون القناة بعمق 50 مترًا وعرض لا يقل عن 200م لكل قناة أي زيادة عن قناة السويس 10 أمتار بالعمق ، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم من العبور في القناة التي ستبنيها “إسرائيل”.
حسب الدراسات المصرح عنها فكلفة القناة ستبلغ 16 مليار دولار وعائداتها السنوية حوالي 6 مليارت دولار وستشكل منافسا قويا لقناة السويس التي تغذي الخزينة المصرية بحوالي 8 مليار دولار سنويا وفي حال شق القناة الإسرائيلية سينخفض الناتج المصري منها الى اقل من الثلثين . , اضافة الى ذلك فإن اسرائيل ستقيم على ضفاف القناة مدنا سياحية تشبه المدن القديمة والبيوت القديمة لتحقق جذبا سياحيا يدر عليها مليارات الدولارات الإضافية .
واذ كانت مصر ستضرر من شق هذه القناة فالأمر سيكون على عكسه تماما مع الأردن فالمخطط هو جر مياه البحر من القناة الى البحر الميت الذي تتناقص مياهه سنويا و تقدم تسهيلات لإقامة فنادق ومنتجعات أردنية على البحر الميت، وتشترك الأردن في سياحة “إسرائيلية” – أردنية مشتركة في منطقة البحر الميت، وتساعد الأردن في إرسال سياح إلى منطقة بترا؛ لأن الاقتصاد الأردني المصاب بتناقص سلبي، وهو بأمس الحاجة إلى دعم مالي.
واضافة الى شق قناة بن غوريون فلا يجب ان ننسى الغاز الفلسطيني في بحر غزة , حيث تم اكتشاف حقلين نفطيين مقابلها هما حقل غزة مارين 1 وحقل مارين غزة 2 ويقدر الإحتياط بهما بحوالي 35 مليار متر مكعب، وهو أكبر من حقل الغاز البحري الإسرائيلي .
فشق قناة بن غوريون وحقول الغاز المكتشفة في غزة عاملين اساسيين محفزين للأطماع الإسرائيلية و تحقيقها يتطلب تدمير قطاع غزة تدميرا كاملا وتهجير سكانه .
الحرب التي شنت على قطاع غزة ليست مجرد حرب انتقامية ردا على عملية 7 اكتوبر التي قامت بها المقاومة الفلسطينية بمختلف مكوناتها الحزبية , وانما هي تنفيذا للمخطط الذي اشرنا اليه مدعوما من الدول صاحبة المصالح الإقتصادية التي تلتقي مصلحتها مع المصلحة الإسرائيلية وعلى رأسها اميركا وفرنسا وبريطانيا والكثير من الدول الأوروبية وحتى العربية المطبعة او الساعية للتطبيع مع اسرائيل . فالأمر لن يتوقف عند شق قناة السويس فحسب بل سيتعداه الى انشاء محطة سكة حديد تربط ميناء ايلات بدولة الإمارات والسعودية عبر الأردن .
هل حقق المخطط اهدافه ؟
في الماضي القريب كانت الكيان العبري يبادل جثة اسرائيلي على المئات من الأسرى العرب , وكان لا يتحمل خوض حرب استنزاف طويلة الأمد ولكن الأمور تبدلت معه وتغيرت بعد عملية طوفان الأقصى فلم يعد يعير لأسراه اية قيمة , وها هو على على ابواب نهاية العام الأول من بداية الحرب و لا زال متمسك بإستمراريتها واضعا امام عينيه تحقيق النصر الساحق ولم يبال لا بقرارات دولية ولا برأي عام شعبي دولي وبات كيانا مارقا على الشرعية الدولية ولكن رغم مروقه فهو محمي من الدول العظمى التي لا زالت تمده بالسلاح والذخيرة وسائر المتطلبات التي تسمح له بإستمرارية الحرب .
وما ساعد حكومة نتنياهو على استمرار عدوانيتها على الشعب الفلسطيني هو ان المرشحين للرئاسة الأمريكية سواء الديمقراطي او الجمهوري يسعيان الى تحقيق سبق من يدعم اسرائيل اكثر , و من يصل الى البيت الأبيض سيكون صديقا لنتنياهو وسيساعده في تحقيق حلم شق قناة بن غوريون .
حتى الآن وبنظرة تشاؤمية نكاد ان نقول ان المخطط نجح وتحققت وجوه من اهدافة , فقطاع غزة لم يعد مكانا صالحا للحياة , فحوالي 40 الف شهيد مسجلين لا يعني ان هذا هو العدد الحصري والنهائي ربما يكون تحت الركام عددا مثله وربما اكثر منه يضاف اليهم حوالي 100 الف جريح بينهم عدد لا يستهان به من المعوقين جسديا والمدمرين نفسيا وهذا ما ستظهره هدنة ما بعد الحرب ان حصلت , ومن قال ان من تبقى على قيد الحياة من سكان قطاع غزة سيكونون بمنأى عن الأمراض والأوبئة الجرثومية وغير الجرثومية نتيجة استعمال سلاح وذخائر الكثير منها محرم دوليا ؟
يضاف الى ذلك تدمير ممنهج لكل مقومات الحياة من مؤسسات صحية وتعليمية واجتماعية وحكومية وبنية تحتيه . وان حصل وقف لإطلاق النار دون تسجيل مكاسب سياسية معتبرة فيسعتبر ذلك هزيمة سياسية لفلسطين وللشعب الفلسطيني ولم تسفر الحرب الا عن دمار هائل , ولن تتمكن حينها المقاومة من اعادة بناء قدراتها القتالية و اللوجستية وفرض شروط اعادة الإعمار الا بعد مرور عشرات السنين لربما تتمكن من خوض حرب مستقبلية , ولكن كما بتنا نرى ونعلم ان قسوة وهمجية وشراسة هذه الحرب قد تجعل الفلسطيني يأنف من خوض حرب جديدة نظرا لما تكبده من قتل وتشريد وتدمير واذلال وهوان على العالم .
والمعركة الحالية التي تشن على الضفة الغربية تدخل في اطار تقليم الأظافر الفلسطينية تماهيا مع مشروع تدمير غزة , فالمطلوب على ما يبدو بعد تدمير غزة قتل الروح المعنوية لدى الشعب الفلسطيني وحلمه في اقامة دولته الفلسطينية على جزء من اراضي فلسطين التاريخية , وعلى ما يبدو ان الأمور لن تقف عند حدود تقليم الأظافر فربما تتسارع الأحداث نحو ترانسفير جديد يتم من خلاله ترحيل فلسطيني الضفة الغربية الى الأردن وسوريا ولبنان والعراق وربما الى دول اوروبية .
الأمر الوحيد الذي يعول عليه لوقف همجية الحرب الإسرائيلية هي محاولات اسقاط حكومة نتنياهو من قبل المستوطنين واهالي الأسرى واستبدالها بحكومة أخرى علها تقوم بالتفاوض مع الجانب الفلسطيني من اجل اطلاق الأسرى الإسرائيليين وبالتالي ايقاف الحرب . ولكن استمرار حكومة نتنياهو في تولي مقاليد السلطة لن يكون في صالح القضية الفلسطينية وربما لن يكون في صالح المقاومة اللبنانية التي تقوم بحرب اشغال , لأنه عند القضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية ستجد المقاومة نفسها وجها لوجه مع الكيان العبري المدعوم غربيا ومن كثير من الدول العربية , وستحرك اميركا خلاياها الداعشية والنصروية المنومة تنوميا مغناطيسيا لتطعن المقاومة في ضهرها وستتحول المعركة الى حرب اقليمية شاملة لن يعرف احد متى تبدأ ومتى تنتهي .
موقع قلم حر
المستشار خليل الخليل