كتب الدكتور يونس زلزلي : في مقام السَّيِّد الهاشميّ في ديرقانون النَّهر:

كانت ديرقانون النَّهر تُدعى بلدة العلماء والشُّهداء، فصيَّرها السَّيُّد الهاشميّ هاشم صفيّ الدِّين باستشهاده بلدة العلماء الشُّهداء. جاور ابن خالته الشَّهيد القائد السَّيِّد حسن عمرًا حافلًا؛ فكان القريب قرين حياة وجهادٍ وعلمٍ وعملٍ وخطابٍ وشهادة. وكانت شهادة السِّتِّين قمح الهاشميّ وجرحه وصبحه الأخير. فهاجر إلى الله في السِّتِّين متأسِّيًا بستّين الهجرة هجرة الحسين(ع) وهاجرته في فيض الحقيقة وقيظ الخذلان.
على المقلب الديرقانونيّ الأثير، أناخ العمر الحافل رحله، وأزاح غيوم الخفاء عن تجلّي الشَّمس وجهًا وحكايةً من ضياء المستبشرين.
فوقف الدّيرقانونيّون يتذكّرون شابًّا يافعًا دون التّسعة عشر عامًا يقود وفد بلدتهم الضّيعاويّ والبيروتيّ المشترك، وينطق باسمه في جولاته على المسؤولين الرُّوحيّين (المرحومين الشَّيخ محمَّد مهدي شمس الدِّين والسَّيِّد محمَّد حسين فضل الله)، والزَّمنيّين ( كان منهم رئيس حركة أمل المحامي نبيه برّي ورئيسا الجمهوريّة والحكومة حينذاك) رفعًا لحصار الاحتلال عن ديرقانون النَّهر ذات حزيران من العام ١٩٨٣. ثمّ يمَّم بعد ذلك شطر النَّجف وقمّ حيث تعلَّم وتعمَّم، وعاد ليتقدَّم الصّفوف في بيان السَّيف وتبيين القلم، ويسهر على وحدة ثنائيّ الجهاد الوطني على رأس مجلس تنفيذيّ للحزب كان توأم الهيئة التّنفيذيّة للحركة في نسج فصول التَّعاون والتَّنسيق والتَّّدبير ونظم الأمر في كلّ استحقاق بتفانٍ وأريحيَّة وتصميم.
يتذكّره الدّيرقانونيّون آتيًا إليهم في مناسباتهم بسماحة قلبه وبشاشة وجهه. كأَنّ له قد قيل: علويٌّ من أعالي هاشمٍ، هاشم الجود ويكفي نسبا. لقد تلألأت عمامته السّوداء تستبقُ إلى خير العمل وتستبقي الأمل مبشّرًا وهاديًا وساعيًا للّتي هي أحسن في خدمة البلدة وأهلها.
غادر النّهر مجراه اليوم حزنًا، وقرع الدَّير جرس الوداع. من يؤمّ صلاة نعشك، ونعشك عرش الضّياء؟ من يخطّ على الشّاهد اسمك الشّهيد بأحرفٍ من نور العرفان؟
أيّ ختامٍ ظفرت به بعد أربعين عامًا من سعي الجهاد وطواف اليقين؟
روحُ السَّيِّد هاشم هي ادّخار نقاء وضياء يثوي في جبهة الجنوب، فيشرق وردة لجهاته.
وقفت أقدّمه ذات عاشوراء، وأنا الذي خبرت المنبر طويلًا، فغلبتني الرّهبة والمهابة: أيّ كلامٍ أنتقي؟ أيّ تقديمٍ يليق بمن سيصعد المنبر من بعدي بهالةٍ من نور؟
لكنّي استضأت بلألاء ابتسامته، لتكون السَّبيل والدّليل.
يعود السّيّد هاشم إلى ديرقانون مطمئنًّا، أنّ روحه ستظلّ نسمة خير في أرضنا وسمائنا، وشعلة إيمان في قلوب العارفين.
بكامل سطوعه يأوي قريرًا ويثوي بأجره ونوره بين يدي الله. بأعوامه السِّتِّين عاد…عاد مستشهدًا، فبكت الأرض وأهلها دمعتين ووردة، ولن تنزوي في ثياب الحداد. صار لها علمًا في البلاد، صار لها محجَّةً في الجهاد والشَّهادة.
في سباته هنا ثبات جبل عامل على الصّراط، في مماته شهيدًا يهدي إلى الحياة بسعادة الشّهادة في سبيل الله والوطن والإنسان.
د. يونس زلزلي