محمد كامل جواد حكاية نابغة جنوبي لبناني قتله الغرب

وُلِدَ كامل محمّد رحيّل جواد عام ١٩٤٠
تربّى في كَنَفِ عائلةٍ مُزراعة في بلدة حدودية إسمها عيتاالشّعب…
لم يكن هذا العامليّ الجنوبي ك سائر إخوته في أحلامه،
ف رغم التّعب والشّقاء المريرَين آنذاك! أصرَّ هذا الشّابُ الطموح على استكمال علمه ..
توفّيَّ أخاه حسن أبو عدنان قبل يومٍ من موعد إمتحاناته، ورغم ذلك
حصل على شهادة “التيرمينال” متفوّقا بها
بنيله المركز الأوّل على لبنان، وعليه فقد حصل على مِنحة تدريس جامعيّة في فرنسا..
لم تلبث فرحته أن تكتمل حتّى سُرقت منحته وزوِّرت لشخص آخر..!
شبَّ وفي قلبه بِذرةُ الطموح ،غير أن الوضع الإقتصاديّ لم يكن مُساعدًا على نمو تلك البذرة..
استكملَ تعليم الأجيال وخاصة في بلدة “رميش” ،وإخوته في انتباهٍ قويٍّ لتّميُّزه وتفرُّده! خصّيصا بعد نجاحه الذي أبهر الجميع..
“فضل أبو أحمد، نعمة أبو يوسف،علي أبو عزّات ،جواد أبو مرهج،، ، يوسف أبو محمد، فاطمة أم خليل وأمينة أم عبدالله”
اتّفق هؤلاء الأخوة على تعويض أخاهم المثقف عن المنحة المسروقة وجمع محاصيلهم وإرساله إلى عالم فرنسا الواسع طلبًا للعلم علّه يجد ضّالته!
عانى ما عاناه حتّى تمّت أموره فسافر ،
وأخذ يجوب نوعًا مُغايرًا من الحياة
ويلتمسُ نقلةً نوعيًّة من الرّيف إلى المدينة، ومن حرث الأرض إلى حَلبِ العلوم!
أنهى دراسته الجامعيّة هناك واستكملها بالدكتوراه، ثم ما لبِثَت أن أينَعَت ثمارُ تلك البذرة المدفونة في أعماقه، ها هو الآن يحصدُ أجمل أتعابه ويُفرحُ قلبَ إخوته وأهله
وبعد سنين التعب والغربة أصبح “الدكتور البروفيسور كامل محمد رحيّل جواد!”
تزوّج عمّي واستقرّ وأنجب واستكمل عمله بكل إبداع وتفوُّق..
كان سابقًا منضمًا الى حركة القوميّين العرب ضد العدوان الصهيوني من قبل سفره، معروفا بالمظاهرات ، محمولًا على أكتاف الرّجال ،ممّا أثار حفيظة الفرنسيّين تجاه بأنّه رجلٌّ ثورٌّي وبروفيسور في آن!
فبدأوا في محاولات اغتياله التي بائت جميعها بالفشل.. ممن اضطرّهُ أخيرًا للسّفر الى الجزائر، وتغيير هندامه وهيئته واسمه!
فرجع الى فرنسا قصير الشّعر غريبَ المُحيّا واسمه” كامل محمد جواد رحيّل”!
علم الفرنسيون بقدوم هذا الرجل النابغة! لكنّهم لم يدركوا أنه هو نفسه!
وكعادة الغرب في طمعهم لاستحواذهم على أدمغتنا النّيرة،
منعوا عمّي من الرّجوع إلى بلده، وأجبروه على القبول بمنصب رئاسة بلدية مرسيليا فرفض ذلك!
لم يكن السّفر سهلًا حينها ، لكنّ عمي الجميل الطويل القامة ذو الشعر الأسود الكثيف !كان مُتعلِّقًا جدًّا بابن أخيه “مرهج”
وقد بعث بإرساله على عجل..!
ترك مرهج فلاحة أرضه وهم لتلبية نداء عمه، حتّى وصل فرنسا ليراه مريضًا موجعا للقلب!
قلبي عليك يا عماهُ في غُربتك..
يملك أبي الكثير من الذكريات التي حدّثنا بها عن عمه الحبيب وجلسات فرنسا اللّطيفه وأشرطة التسجيل “الأبيض والأسود” التي توثّق قعداتهم وضحكاتهم الّاتي كانوا يخفون ورائها حُزنًا عميقًا ..
رَجِع أبي مُحمّلًا بالأشواق والرسائل، ومُحمّلًا ب ردّجميل تلك السنوات لإخوته من مالٍ وحُب، ومُحمّلًا أيضًا بنبأ المرض….!
لعمّي : ناديا ،إيميلي ،سامي، وجوانا
كانت تلك الأخيرة حبيبةُ أبي الصّغيرة، وقد سُمّيت أختي ب جوانا لحُب أبي لها..
عام ١٩٩١
أعاد عمي طلبه من ابن أخيه بالعودةِ الى فرنسا لأمرٍ مُهمٍ جدًّا،
ترك أبي أمي وإخوتي وعمله ذاهبًا ،
وما لبث أن عادً سريعًا ولكن هذه المرّة مُصطَحِبًا جُثمان البروفيسور الغريب..
اليوم أذكر عمّي كقصّة ٍ مطبوعة داخل وجداني من حكايا أبي في ليالي الشتاء القاسية حول المدفئة،
لا أعرفهُ لكنّني أُحبّه وأحزن لغُربته ولوجعِ إخوته،
لا أعرفه لكنّني أعرف بذرة الطّموح تلك ف “أنا مثلُكَ يا عمّي أملكُ واحِدة!”
لا أعرفهُ لكنّني آسفُ على رحيله وعلى شبابه وعلى علمه!
صحيحٌ أنّني لم أعرفك يا عم ،ولكنّني رأيتُك في دموع أبي الذي لم يكن يبكي بتاتًا !
الغريبُ في قصّة البروفيسور كامل محمد رحيّل جواد، أنّ الخوف قد تملَّك قلب زوجته من أن يأخُذ آل جواد “أولادها منها!”
فغيّرت عنوان منزلها وأرقام هواتفهم وألغَت كُل وسائل الإتّصال بينهم وبين عمومتي!
غريبٌ أنّنا نملكُ عائلة كاملة في فرنسا
تحملُ نفسَ لحمِنا ودَمِنا
لهم ما لنا من الأقارب ولهم ما لنا من الأصول والجذور..
وكم هو جميلٌ أن يصل نصّي هذا إلى أحد أولادك يا عمّي..
عمّي الحبيب، الذي أُحبُّ أن أُسمّيكَ عمّي الغريب!
أنا ابنةُ “مرهج حبيبك”
أكتب عنك والحزن يُحرّكُ قلمي
صدِّق أنّنا وإخوتي لم ننسَ ذكراك في وجه أبي الذي صار بقربك الآن..
“لم تفعل فرنسا شيئًا حينما علّقت على سفارتها في لبنان شهادًة باسمك،
ف إذا ما كانت قد سمحت للبنان باسترجاع عقوله ، فما هي حاجتُه بعدُ إلى ورقة تقديرٍ وجنازة!!!!
هبة مرهج جواد