لبنان يواجه مخاطر التطبيع والتقسيم والتوطين فهل ينتصر ؟

بعد ان تذرعت اسرائيل عام 1982 بذريعة قيام منظمة التحرير الفلسطينية بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن , قامت بغزو لبنان الذي كانت تسيطر عليه المنظمة وصولا حتى العاصمة بيروت وقامت بحصار ياسر عرفات ثم اجبرته على الرحيل عنها رافعا شارة النصر بضمانة دولية الى تونس مع عدد كبير من مقاتليه , ثم فرضت على لبنان انتخاب بشير الجميل رئيسا للجمهورية وبعد اغتيال الأخير فرضت اتفاقية عرفت بإتفاقية 17 ايار , هذه الإتفاقية التي لم تصمد وسقطت , وقد اعلن يومها الرئيس نبيه بري (( ان الإتفاق ولد ميتا )) , ثم بدأت العمليات العسكرية تستهدف القوات المحتلة الى ان تمكنت من اخراجها من بيروت اولا وبعد ذلك حتى حدود نهر الأولي ومن ثم حتى حدود نهر الليطاني الى ان استقرت فيما عرف بمنطقة الشريط الحدودي , مستعينه للبقاء فيها بميليشيات انطوان لحد المتعاملة معها والتي عرفت باسم ( جيش لبنان الجنوبي ) , وبقيت تحتل هذه المنطقة حتى العام 2000 حيث انسحبت الى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة تحت وطأة ضربات المقاومة, ولم تستطع اجبار لبنان على توقيع اي اتفاق مكتوب ولم تفرض اي شروط .
بعد مشاركة المقاومة الإسلامية في حرب الإسناد لقطاع غزة وبعد الحرب الضروس التي شنتها ضد لبنان واللبنانيين وبعد اتفاقية وقف اطلاق النار بقيت اسرائيل في عدد من النقاط داخل الأراضي اللبنانية , وهي تسعى لفرض التطبيع على لبنان مدعومة من الإدارة الأمريكية الجديدة هذا التطبيع الذي حاولت فرضته سابقا بموجب اتفاقية 17 أيار .
المؤسف ان بعض الأبواق اللبنانية باتت ترى ان ابرام اتفاقية سلام مع اسرائيل امر طبيعي ويجب ان تحصل عاجلا ام آجلا ( النائبة التغييرية بولا يعقوبيان ) مثلا ناهيك عمن تمرس على التعامل مع اسرائيل منذ فترات زمنية بعيدة .
هل يمكن ان يحصل التطبيع بين لبنان واسرائيل في وقت قريب وما هي المعوقات ؟ وما هي الفائدة للبنان ان حصل التطبيع وما هي الأضرار ؟
الواقع ان اميركا وادارتها الجديدة تدفع لبنان دفعا باتجاه التطبيع , وهذا هو نفسه ما حصل بعد اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982 , قبل ان تجر اذيال الهزيمة وتسحب قوات المارينز من بيروت بعد التفجيرات التي استهدفتها .
نحن نرى اليوم حتمية فشل التطبيع ( الإلزامي الإجباري ) وهو ان حصل فلن يحصل الا بين الحكومات , اما على مستوى القواعد الشعبية لأكثرية اللبنانيين فهناك حتمية الرفض , لأن العداء بين لبنان واسرائيل هو عداء تاريخي لا بل اكثر من تارخي هو عداء وجود ( يعتبر ان الصراع بين لبنان واسرائيل ليس صراع حدود انما صراع وجود ) .وليس من المبالغ فيه ان ندعي انه لا يوجد في لبنان عائلة واحدة لم تقدم شهيدا او اكثر في الصراع العربي الإسرائيلي .
الأحزاب الوطنية والإسلامية والقومية العربية تتمتع بنفوذ قوي في لبنان وجميعها ترفض أي تطبيع مع إسرائيل، بل تخوض مواجهات ضده، مما يجعل أي خطوة رسمية نحو التطبيع شبه مستحيلة حاليًا. و حتى لو أرادت بعض القوى اللبنانية التطبيع، فإن الانقسامات العميقة داخل البلاد تمنع اتخاذ قرار بهذا الحجم ويجيب ان لا يغيب عن بالنا العامل الفلسطيني فاللاجئين الفلسطينيين في المخميات المنتشرة من الجنوب مرورا بالبقاع وبيروت وصولا حتى طرابلس سيكون لهم الرفض المطلق للتطبيع لأن التطبيع بالنسبة لهم هو تصفية للقضية الفلسطينية ويمنعهم من حق العودة ومن اقامة دولتهم المشروعة على ارض فلسطين التاريخية .
اما من ناحية الفوائد المحتملة للبنان في حال حصول التطبيع فتبقى مجرد وعود سرابية من الدول التي سترعى اتفاقية التطبيع , فالدول العربية التي وعدت بالسمن والعسل و طبعت مع اسرائيل مثل مصر والأردن لم تحقق اي تحسن اقله في وضعها الإقتصادي لا بل على العكس ازاددت الأوضاع الإقتصادية فيها سؤا , والمستثمرون الإسرائيليون والغربيون في حال لا قدر الله واتوا ليستثمروا سيكون استثمارهم على الأرجح في قطاع الطاقة والتكنولوجيا , ولبنان وكما هو معروف لديه فائض من الأدمغة التي تعمل في مجال التكنولوجيا , وفيما لو فتحت الأسواق للتبادل التجاري والزراعي والصناعي وحتى السياحي فلبنان لن يكون بمقدوره المنافسة لضعف الإمكانات بسبب الحروب الداخلية والعدوان الذي تشنه اسرائيل على لبنان على مدى سنين طويلة .
البعض يعتبر انه في ظل التطبيع يمكن للبنان الإستفادة من موارده وثرواته البحرية فيسمح له باستخراج نفطه وغازه من البحر , ولكن يغيب عن ذهن هؤلاء ان اي استفادة للبنان من حقوقه ستكون تحت الوصاية الإسرائيلية الأمريكية الغربية وبذلك سيكون رفد خزينة الدولة اللبنانية بالمال لا يوزاي الطموحات والأمال عند اللبنانيين .
كذلك ما يعتبره البعض انه من خلال التطبيع سينعم لبنان بالأمن والأمان وستنخفض التوترات والمواجهات العسكرية , فلنتذكر ما عمله الموساد مع اشد الدول العربية المساندة للتطبيع من قيامه بعملية اغتيال القيادي الفلسطيني ( المبحوح ) في دولة الإمارات العربية المتحدة .
في نظرنا التطبيع سيؤدي الى اضطرابات داخلية خاصة مع رفض فئات واسعة من اللبنانيين لهذه الفكرة , وسيؤدي حتما الى تصاعد اعمال العنف وستجر البلاد الى مواجهات داخلية وربما خارجية . ناهيك عن الإضطرابات التي ستنجم عن توطين اللاجئين الفلسطينيين وربما باستصدار قوانين تسمح بتجنيس السوريين الذي يقيمون في لبنان منذ بداية الحرب الداخلية السورية .
ولبنان ان رفض التطبيع فهو في مواجهة مباشرة مع التقسيم والتوطين . فهل ينجح التقسيم ؟
المؤسف ان هناك دعوات من لبنانيين الى التقسيم خاصة من رفعوا شعار ( ما بيشبهونا ) ! .
وإمكانية تقسيم لبنان ليست مستحيلة، لكنها تواجه عقبات كبيرة. هناك عدة عوامل قد تؤدي إلى التقسيم منها :
الإنقسام الطائفي والمذهبي الذي يقود الى الإنقسام السياسي حيث لكل طائفة ولكل مذهب حزب سياسي يسيطر على منطقة معينة وهذا ما يجعل من الوحدة السياسية امر في كثير من الصعوبة في ظل ثقافة سياسية مبنية على الطائفية والمذهبية وحتى على المناطقية .
الأزمة الإقتصادية : فالدولة اللبنانية شبه منهارة مما قد يدفع بعض الفرقاء الى البحث عن استقلال اقتصادي يتبعه اداري وصولا الى السياسي ( حكم ذاتي ) وقد بدأت بعض الجهات اللبنانية تتحدث دون خجل عن فدرلة لبنان وتقسيمه اداريا . وهذا ان حصل سيدفع حتما الى عمليات تهجير قسرية وحروب اهلية فمن يتحدث عن الفدرلة على سبيل المثال من المسيحيين فهو حتما لم يضع ضمن حساباته المسيحيين المقيمين على الأطراف في الجنوب والبقاع والشمال وغيرها من المناطق , فهؤلاء هناك حتمية لتهجيرهم من قراهم ومدنهم , وما نطرحه عن المسيحيين يمكن ان نطرحه عن المسلمين الشيعة على سبيل المثال كمن بلداتهم في مناطق ذات اغلبية مسيحية كجبيل او كسروان او حتى بيروت الإدارية . وذات الأمر بالنسبة للمسلمين السنة وللموحدين الدروز … التقسيم ليس موت لبنان فحسب بل دخول اللبنانيين في حرب طاحنة لا تبقي ولا تذر .
وامام خطر التقسيم هناك خطر لا يقل عنه وهو خطر التوطين فما هي مخاطر التوطين ؟
التوطين سيُحدث خللًا ديموغرافيًا، خاصة أن معظم اللاجئين الفلسطينيين من المسلمين السنة، ما قد يغير التوازن الطائفي الحساس في لبنان.
ولبنان بلد صغير ومكتظ سكانيا اذ يبلغ عدد سكان لبنان حوالي 6 ملايين نسمة، وإضافة مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بشكل دائم سيزيد الضغط على البنية التحتية وسيزيد من العبئ على الإقتصاد اللبناني الشبه منهار والذي يعاني من انهيار مالي وازمة بطالة كبيرة . فاللاجئون الفلسطينييون يعتمدون كثيرا على ما تقدمه لهم الأونروا وفي حال توطينهم ستنقطع عنهم هذه الخدمات وهذا ما يجعل الحكومة اللبنانية مضطرة لتحل بديلا عنها وهذا ما لا تستطيع تحمله .
ماذا يعني فشل لبنان في مواجهة التطبيع والتقسيم والتوطين ؟
يعني حروبا اهلية طائفية مذهبية مناطقية لا تنتهي , ويعني القضاء على مقومات واسس الدولة اللبنانية وتشتت مئات الاف العائلات التي تؤمن الدولة رواتبهم ان كانوا من موظفي الفئات الأولى او الثانية والثالثة وحتى الدنيا .
فما الحال المتاح حاليا ؟
الحل الوحيد المتاح حاليا هو وحدة اللبنانيين والعمل على تصفير خلافاتهم الداخلية والتفرغ للمواجهة والتمسك بوحدة الأراضي اللبنانية ودعم الجيش وكافة مؤسسات الدولة , والا من الأفضل البحث عن وطن بديل .
موقع قلم حر