مقالات

كتب المحلل السياسي صادق مقدم : الثنائي الشيعي أمام مفترق طرق – التحديات والخيارات في ظل المتغيرات الإقليمية.

يجد الثنائي الشيعي نفسه اليوم في وضع معقد، حيث تتراكم التحديات من الداخل والخارج، وسط ضغوط سياسية وأمنية غير مسبوقة. فرغم استمرار امتلاكه لبعض القدرات المؤثرة، إلا أن هذه القدرات تواجه تحديات حقيقية في ظل الواقع الإقليمي المتغير، والمخاطر المتزايدة التي تهدد المقا.ومة في لبنان. إسر.ائيل لا تتوقف عن محاولاتها لاستنزاف المقا.ومة وضرب قدراتها، مستخدمة تفوقها العسكري والتكنولوجي في مراقبة التحركات، وشن عمليات أمنية وعسكرية دقيقة.

لم يعد الحديث مقتصرًا على الغارات الجوية المتكررة في لبنان و سوريا، بل يمتد ليشمل الحرب السيبرانية، والضغوط الدولية الهادفة إلى تجفيف مصادر التمويل، فضلًا عن السعي الدائم لعزل المقا.ومة سياسيًا ودبلوماسيًا. السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في احتمال قيام إسر.ائيل بفتح جبهة حرب جديدة تحت أي ذريعة، سواء عبر استهداف منشآت استراتيجية، أو تنفيذ عمليات اغتيال لقادة ميدانيين، أو حتى محاولة التمدد العسكري باتجاه مناطق محددة في الجنوب اللبناني. وهذا السيناريو يتماشى مع طموحات نتنياهو، الذي لطالما تحدث عن إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة، بما يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى الطويل.

كانت سوريا لعقود تشكل عمقًا استراتيجيًا للمق.اومة، حيث وفرت الدعم اللوجستي والعسكري، وشكلت حلقة وصل بين إيران وحز.ب الله. لكن منذ اندلاع الحرب السورية، تغيرت المعادلات بشكل جذري. فقد أدى سقوط سوريا كدولة مركزية إلى إضعاف قدرة المقاومة على المناورة، خصوصًا مع تراجع الدور الإيراني هناك لصالح روسيا، وتغلغل الجماعات المتطرفة في مناطق كانت سابقًا تحت سيطرة النظام. الهزة التي تعرضت لها سوريا انعكست بشكل مباشر على لبنان، حيث فقدت المقاومة جزءًا من الغطاء الذي كانت توفره دمشق، كما أن الاضطرابات المستمرة في الداخل السوري جعلت تأمين خطوط الإمداد أكثر صعوبة. ومع دخول إسرائيل على الخط، وقيامها بتنفيذ عمليات داخل العمق السوري، أصبح الخطر مضاعفًا، خصوصًا مع الحديث عن مشروع “خط داوود”، الذي يهدف إلى تأمين مناطق حدودية بين سوريا ولبنان، بما يخدم المشروع الإسرائيلي الأكبر المتمثل في تضييق الخناق على حز.ب الله.

إلى جانب التحديات العسكرية والأمنية، يواجه الثنائي الشيعي تحديًا اقتصاديًا خانقًا، سواء بسبب العقوبات المفروضة على إيران، أو نتيجة الضغوط المالية على حز.ب الله، والتي ازدادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. العقوبات الأمريكية استهدفت البنية المالية للحزب، وفرضت قيودًا على تحركاته الاقتصادية، مما أدى إلى تراجع قدرته على تقديم الدعم الاجتماعي، الذي لطالما كان عنصرًا أساسيًا في كسب الحاضنة الشعبية. يضاف إلى ذلك الانهيار الاقتصادي في لبنان، الذي أثر على البيئة الشيعية بشكل مباشر، حيث تزايدت معدلات الفقر والبطالة، وارتفعت مستويات التململ الاجتماعي، مما قد يشكل تحديًا داخليًا إضافيًا على القيادة السياسية للحزب وحركة أمل.

في ظل هذه الظروف المعقدة، يبرز السؤال الجوهري: كيف سيتعامل الثنائي الشيعي مع هذا الواقع المتغير؟

هل سيعتمد على النهج الدفاعي التقليدي، أم أن المرحلة المقبلة تفرض استراتيجية جديدة لمواكبة التطورات؟
لا يمكن مواجهة التحديات الخارجية دون تحصين الوضع الداخلي. وهذا يتطلب معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على البيئة الحاضنة للمقا.ومة. إعادة بناء الثقة مع الحلفاء السياسيين، خصوصًا في ظل التباينات التي برزت مؤخرًا على الساحة اللبنانية.

رغم الضغوط الإسرائيلية والدولية، لا تزال المقا.ومة قادرة على تعزيز ترسانتها العسكرية بأساليب غير تقليدية، بما في ذلك تطوير قدرات الحرب السيبرانية والمسيرات الذكية. التركيز على بناء منظومة دفاعية أكثر تطورًا، قادرة على مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتزايدة.

المرحلة الحالية تتطلب البحث عن تحالفات جديدة، وعدم الاعتماد فقط على الحلف التقليدي مع إيران وسوريا، خصوصًا في ظل التغيرات التي طرأت على مواقف بعض الدول الإقليمية.

الانفتاح على قوى جديدة قد يكون ضرورة في المرحلة القادمة لضمان استمرارية الدور السياسي والعسكري للمقا.ومة. رغم كل الضغوط، لا يزال الثنائي الشيعي يمتلك أوراق قوة يمكن توظيفها بحكمة للخروج من عنق الزجاجة.

المرحلة القادمة ستكون مصيرية، وستتطلب قرارات جريئة لمواجهة التحديات، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي.

يبقى السؤال الأهم: هل يمتلك الثنائي الشيعي القدرة على التكيف مع هذه المتغيرات، أم أن المرحلة القادمة ستحمل مفاجآت قد تغير قواعد اللعبة بالكامل؟

بقلم صادق مقدم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى