طرد مدير شبكة اعلامية لإتهامه بالتح-رش الجن-سي

انديرا الشوفي
طردت شبكة الإعلام العراقي مدير مكتبها في بيروت، المدعو أمين ناصر، كانون الأول 2024، بعد تحقيقٍ داخلي عقب شكاوى متكررة من موظفات وموظفين كشفت عن تورطه في فساد إداري ومالي، وابتزاز واستغلال للنفوذ، إلى جانب اتهامات خطيرة بالتحرش الجنسي بموظفات داخل الشبكة.
هذه الإقالة لم تكن مجرّد إجراء إداري، بل لحظة كاشفة لطبيعة البُنى الذكورية السلطوية التي تحكم المؤسسات الإعلامية، حيث يُستغل الموقع الوظيفي ليس فقط لتحقيق مكاسب مادية أو نفوذ، بل لممارسة السيطرة الجسدية والنفسية على النساء، في بيئة تُسكت فيها الضحايا لسنوات، خوفًا من التبعات.
لسنواتٍ، بقيت الشكاوى في الكواليس، في بيئةٍ تُخيف الضحايا وتكافئ الجاني بمزيدٍ من السلطة.
أمين ناصر، لم يكتف باستغلال منصبه داخل الشبكة، بل واصل نشاطه عبر منصة إعلامية مجهولة، يختبئ خلف خطاب “المقا-ومة” لتبرير ممارسات سلطوية تُعيد إنتاج العنف نفسه الذي أطاح به.
ورغم طرده، واصل نشاطه عبر منصة إعلامية خاصة تُدعى “إندبندنت عراقية”، بلا مصادر واضحة أو مصداقية مهنية، مستغلًّا خطاب “المقاومة” لتغطية فشله وفساده المهني والأخلاقي، في مشهدٍ يعكس كيف يُعاد إنتاج النفوذ الذكوري حتى بعد سقوط الأقنعة.
فساد مالي واستغلال منصب
ليس بعيدًا عن قضية التحرش والفساد الأخلاقي الذي كشفته الشهادات التي خرجت إلى العلن بعد فترةٍ من الصمت، تشير المعلومات إلى أن المتحرش المذكور تورّط في عمليات ابتزاز وسمسرة.
إذ تبيّن أن “الإعلامي” المطرود كان يتقاضى عمولات لقاء خدمات غير قانونية قدمها لطلاب/طالبات ورجال أعمال، مستغلًا علاقاته الوثيقة مع ضباط أمنيين وأحزاب سياسية نافذة.
كما أشارت المعلومات إلى أنه كان يختلس رواتب موظفين/ات لسنوات، ما مكّنه من جمع ثروة ضخمة وعيش حياة بذخ لا تتناسب مع دخله الرسمي.
تحرش ممنهج وضحايا بالصمت
إلى جانب ملفات الفساد والتزوير، يُعتبر ملف التحرش الجنسي أحد أخطر التهم التي لاحقت أمين ناصر، والتي قيل أنها عجّلت عملية عزله من منصبه.
ولكن، على الرغم من أهمية خطوة إقالته، إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه: هل تأخّرت الشهادات، على الرغم من الشكوك الكثيرة حول سلوكه خصوصًا مع الموظفات، عن الوصول إلى مسامع إدارة الشبكة؟ أم أن شبكة الإعلام العراقي أغفلت الشكاوى المتكررة في الكواليس، وأجلتها عن عمد إلى حين الحاجة؟ وهل قرار الطرد مرتبط بملفات داخلية أخرى، ولا علاقة -ولا أولوية- لحماية أمن وكرامة الموظّفات بقرار الإقالة؟
فبحسب شهادات عدد من الموظفين والموظفات في شبكة الإعلام العراقي – بعضهن/م قدّم/ت إفادات رسمية – مارس أمين ناصر سلوكًا متكررًا تجاه عدد من الصحافيات والموظفات، مستخدمًا موقعه الإداري ونفوذه لتقديم وعود مهنية مقابل تنازلات شخصية.
مع تراكم الحالات وتبادل الشهادات، بدأت تتبلور مبادرة جماعية كشفت المستور، ودفعت عددًا من الموظفات/ين للتحرك باتجاه إدارة الشبكة المركزية، وتقديم ما يثبت أن ناصر ليس فقط مديرًا فاسدًا، بل متحرشٌ من الطراز الرفيع.
منذ كان يعمل مراسلًا وصولًا إلى توليه منصب مدير مكتب الشبكة في بيروت، اتبع ناصر أسلوبًا مريبًا في التواصل مع النساء داخل المؤسسة، حيث كان يبادر بالتقرب من الصحافيات بزعم مساعدتهن في الحصول على فرص عمل أو ترقيات، قبل أن يتحول هذا التقرب إلى تحرشٍ مباشر يتخذ أشكالًا متعددة: من الإيحاءات اللفظية، إلى رسائل نصية غير لائقة، وصولًا إلى محاولات فعلية للمسّ بالكرامة الجسدية.
ورغم توثيق عشرات الحالات، فضّلت الكثير من الضحايا التزام الصمت خوفًا من نفوذه الواسع، خصوصًا وأن ناصر كان يتباهى بعلاقاته مع ضباط أمنيين وأحزاب نافذة في لبنان والعراق، ما جعل الشكوى منه تبدو شبه مستحيلة في بيئة يغيب فيها الردع وتُهمّش فيها أصوات النساء
لكن مع تراكم الحالات، وتبادل الشهادات بين موظفات/ين ومحررات/ين ومصورات/ين داخل المؤسسة، بدأت تتبلور مبادرة جماعية كشفت المستور، ودفعت عددًا من الموظفات/ين للتحرك باتجاه إدارة الشبكة المركزية، وتقديم ما يثبت أن ناصر ليس فقط مديرًا فاسدًا، بل متحرشٌ من الطراز الرفيع.
اليوم، وبعد إقالته، لا تزال تداعيات هذه القضية مستمرة. فقد أكدت ناشطات وزميلات سابقات أنهن يعملن على جمع المزيد من الشهادات، وتوثيق الانتهاكات التي ارتكبها، من أجل منع تكرارها مستقبلًا، خصوصًا أنه ما يزال يحاول استقطاب صحافيات شابات من خلال منصته الإعلامية الخاصة التي يديرها حاليًا بشكلٍ مستقل.
من التحرش الجسدي للابتزاز المالي: صحافية تكسر الصمت
وراء أبواب مكتب شبكة الإعلام العراقي في بيروت، كان هناك صمت مخيف يحيط بالتحرش الممنهج الذي تعرضت له صحافيات وموظفات على يد المدير المعزول أمين ناصر.
عن المتحرش أمين ناصر: “مرة حاول يعبطني، ومرة مسك إيدي غصب عني.. حتى حاول يلحقني على الحمّام، كنت حس بالخوف كل مرة أتحرك داخل المكتب”.
سلوكٌ استمر لسنوات، مستفيدًا من نفوذه وعلاقاته الأمنية والسياسية. لكن هذا الصمت بدأ يتكسر بشهادة واحدة، من ضحية قررت أن تكشف الحقيقة وتفضح ما كان يُخفيه خلف تلك الجدران.
“مش سهل إحكي، بس أنا وحدة من اللي تعرّضوا لتحرش مباشر من أمين ناصر داخل المكتب. كان يقرب مني بطريقة مقزّزة، وكل ما يشوفني لحالي يحاول يلمسني. مرة حاول يعبطني، ومرة مسك إيدي غصب عني، وكنت أرجع بسرعة على مكتبي وجرب ما كون لحالي بس يكون هو. حتى حاول يلحقني على الحمّام، كنت حس بالخوف كل مرة أتحرك داخل المكتب”. تصرّح إحدى الناجيات من المتحرش أمين ناصر.
وتلفت إلى أسلوب الإبتزاز الذي كان يلجأ إليه، أثناء محاولات الإيقاع بهنّ: “بس الأسوأ، لما صار يحكيلي عن وضعي المادي، ويبتزني بالمصاري، وكأنو عم يستغل فقري ليضغط عليّ. قلي بالحرف: بدي جيب منك ولد، وكان يدقلي بالليل ويبعتلي مسجات مقرفة، حسّيت بالقرف والمهانة والعجز.”
“لكن القصة ما بتوقف هون”، على حدّ تعبير الناجية، إذ “حاول أيضًا الضغط عليّ بشكل متكرر، فما عطاني مستحقاتي المادية بالكامل، وكان يحاول يبتزني ماليًّا ويضغط عليّ عشان أوافق أروح معو على البيت. كان يوهمني إنه لو وافقت، راح يساعدني ويحل مشكلاتي المادية، كان بيستغل كل فرصة عشان يضغط ويعمل لي إحراجات”.
تتابع: “كنت ساكتة، مثل غيري، لأنه دايمًا كان يلمّح إنه محمي، وإنه عندو ظهر وما حدا بيقدر يلمسو. بس وقت أخذت معاشي وفليت من عندو وبلشوا الموظفات/ين يفلوا وانفتح الملف، حسّيت إنه صار لازم إحكي. مش بس كرمال نفسي، كرمال البنات اللي ممكن يصير معهم نفس الشي، أو أسوأ.”
من الوعود الكاذبة إلى الابتزاز والاستغلال: شهادة ناجية من تحرش أمين ناصر
تقول ناجية أخرى من تحرّش المدير السابق لمكتب شبكة الإعلام العراقي في بيروت، أمين ناصر، إنها بدأت العمل معه في عام 2020، حيث قدّم نفسه كداعم ومهتم بمستقبلها المهني، قبل أن تنكشف نواياه الحقيقية.
“بالبداية وعدني بالزواج، وصار يحاول يتقرب مني ومن عيلتي. كان يطلق وعود وكلام بيضحك عالعقل مثل: “بدي عيشك ملكة”، “أنا أبو أولادك”،”ما بيهمني جسمك، المهم روحك”، كلمات اكتشفت لاحقًا إنه قايلها لمئات البنات بنفس الطريقة”.
“كان يستغل حاجتنا المادية كموظفات حتى نشتغل أكتر ونضل ساكتين. وبنفس الوقت، كان يشوّه سمعتنا، ويحكي قدام صحافيين إن البنات بيركضوا وراه، وإنه هو اللي بيرفض!”
وتتابع: “بعدين صار يزيدها، ويستخدم عبارات جنسية مباشرة مثل: ’امشي معي عالبيت’، ’واو خصرك شو حلو’، هون فهمت حقيقته، ووقفت بوجهه وقلتله: ’حدك مدير، وأنا موظفة’. بس ما وقف، صار يجيب بنات على المكتب قدامي، وبعضهن صاروا يخبروني إنه بيتحرش فيهن كمان، أو بيستدرجهن على بيته بوعد إنه يطلعهن على قناة العراقية أو يعطيهن برنامج”.
وتكشف الناجية أن ناصر لم يكتفِ بالتحرش، بل لجأ إلى الضغط النفسي والمالي. في هذا السياق، قالت: “صار يضغط عليّ بالشغل بطريقة بشعة، بيصعب على أي بنت تتحملها. نصب عليّ بثلاثة أرباع راتبي، وكان يستغل حاجتنا المادية كموظفات حتى نشتغل أكتر ونضل ساكتين. وبنفس الوقت، كان يشوّه سمعتنا، ويحكي قدام صحافيين إن البنات بيركضوا وراه، وإنه هو اللي بيرفض!”
تختم شهادتها بالقول: “هالتجربة سببتلي أذى نفسي كبير، ونفور من الرجال، وعدم ثقة بأي بيئة عمل فيها سلطة ذكورية غير خاضعة للمحاسبة. العدالة الحقيقية هي إنو ينحط أمين ناصر بالحبس، ويُحاسَب على كل شي عمله فينا”.
تحرك لمحاسبته ومنع سقوط ضحايا جدد
في ظل استمرار ناصر بإدارة منصته الخاصة واستقطاب أشخاص جدد، تعمل مجموعة من الصحافيات والناشطات على رصد تحركاته وتوثيق شهادات الضحايا، بهدف منعه من تكرار انتهاكاته، وضمان عدم سقوط ضحايا جدد في شراكه.
هاتين الشهادتين، وغيرهما الكثير، لم تكن محفّزًا فقط لإقالته، بل ستكون بداية لتحرّك أوسع ستقوده صحافيات وناشطات، بهدف توثيق كل الانتهاكات التي ارتكبها، وفضح المنظومة التي سمحت له بالتمادي طيلة هذه السنوات، أو لربّما تستّرت عليه.
ما تزال التحقيقات مستمرة، وسط دعوات لمحاكمته ومحاسبته على جرائمه، خصوصًا بعد تراكم الأدلة والشهادات ضده، في واحدة من أخطر الفضائح التي طالت القطاع الإعلامي العراقي في الخارج.
في النهاية، تبقى هذه القضية مثالًا صارخًا على كيفية استغلال السلطة والمال لتدمير حياة الأفراد، خصوصًا النساء والفئات المستضعفة، ما يؤكد ضرورة تعزيز آليات محاسبة حقيقية لمثل هؤلاء المعتدين، ولتكن هذه الحادثة بداية لكسر حالة الصمت التي تحيط بقضايا التحرش والفساد في الإعلام.