أخبار لبنان

أميركا تُدخل لبنان في مغامرة التطبيع

الدرس الدبلوماسي الأميركي الذي أُعطي للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، بعد تصريحها الشهير في قصر بعبدا عن ضرورة إبعاد حزب الله عن الحكومة، يبدو أنه اقتصر على ضرورة تنميق العبارات التي يراد بثّها إلى الجمهور. لذلك، فإن الصبية الآتية من عالم عروض الجمال والاستعراض تعاني لإخفاء ما هو مطلوب منها. وهي، في حديثها إلى قناة «الجديد» أمس، جهدت لكي «لا تُضبَط متلبّسة بالجرم المشهود»، بالقول صراحة إن ما يجري الآن هو مقدّمة لإطلاق مفاوضات لبنانية – إسرائيلية تهدف إلى إبرام اتفاقية سلام بين البلدين.

المسؤولة الأميركية قالت إن الهدف الآن يقتصر على إطلاق مفاوضات دبلوماسية لمعالجة مشكلات داهمة، مثل إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، والبتّ في مصير النقاط الخمس، والبحث في ترسيم الحدود البرية. لكنّها كانت شديدة الصراحة في حديثها عن «ثلاث مجموعات عمل دبلوماسية».

ليس في لبنان من ينتظر شروحات حول ما قصدته أورتاغوس، إذ تكفي الإشارة إلى أن عمل لجنة الإشراف على تطبيق القرار 1701، يشمل أساساً تأمين وقف نهائي للحرب، وإزالة آثار الاحتلال، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية، وإطلاق سراح الأسرى. وبالتالي، فإن هذه النقاط، إضافة إلى ملف النقاط الـ 13 التي لا تزال إسرائيل تحتلها، لا تحتاج إلى «فرق عمل دبلوماسية»، بل يمكن تحقيقها من خلال لجنة الإشراف نفسها.

لكنّ الولايات المتحدة تبدو مستعجلة لإطلاق مفاوضات سلام مع لبنان وسوريا، وهو ما سبق لمبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف أن تحدّث عنه أخيراً، معرباً عن «التفاؤل حيال إمكان انضمام السعودية إلى الاتفاق الإبراهيمي»، لافتاً إلى أن «التحوّلات السياسية في المنطقة قد تمتد لتشمل لبنان وسوريا، ويمكن للبنان أن يتحرك قريباً للانضمام إلى اتفاقات السلام، وقد تكون سوريا في الطريق نفسه».
عودة إلى فريق ترامب

و«الحاجّة ليزا»

يبدو أن من الضروري تذكير الساسة عندنا بحقائق يُراد تجاهلها، مثل أن المرشحين للانتخابات الرئاسية في لبنان كانوا قد خضعوا، جميعاً، لاختبارات أمام الإدارة الأميركية الحالية بعد فوز ترامب في الانتخابات. وقد خرج أربعة منهم على الأقل بحذر وخشية، بعدما سمعوا أسئلة مباشرة حول نظرتهم إلى مشروع التطبيع مع إسرائيل، ومحاولة معرفة موقفهم من حزب الله وسلاحه جنوب نهر الليطاني وشماله.

وإذا كان الرئيس جوزيف عون يتحفّظ عن الحديث في الأمر، وينفي الرئيس نواف سلام أن يكون الأميركيون قد فاتحوه به، فإن السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون تقدّمت خطوات في هذا الإطار، وهي انتقلت من مرحلة التلميح إلى مرحلة الحديث المباشر عن التطبيع. وقد أبلغت ثلاثة مسؤولين بارزين في الدولة، ومساعدَين اثنين لمرجعيتين كبيرتين، بأن «على لبنان الاستعداد للمرحلة المقبلة، حيث ستكون المفاوضات قائمة بشكل سياسي وتركّز على سبل تأمين حل شامل ودائم للمشكلة مع إسرائيل».

وبحسب ما نقل عنها المستمعون في كل اللقاءات، فقد حرصت على «إفهام» المسؤولين بأن «معلومات» بلادها «تؤكد أن حزب الله في وضع صعب جداً، ولم يعد يملك القدرة على التعطيل ولا على الترهيب، ولا عذر لأحد بعد اليوم للقول إنه خائف من حزب الله». وقد شرحت أكثر بأن «الحزب بالكاد قادر على تدبّر أموره، وليس في مقدوره أصلاً إعادة الإعمار في أي منطقة في لبنان».

وبالتالي، «على الدولة اللبنانية إعطاء الإشارات الكافية لكي تحصل على دعم جدّي يذهب جزء منه إلى إعادة الإعمار، ولا يجب السماح لحزب الله بالقيام بهذه المهمة»، علماً أن بعض من التقوا «الحاجّة ليزا» خرجوا بانطباع أنها ليست سعيدة بقرار الرئيس ترامب اختيار سفير جديد بدلاً منها في لبنان، وأنها تتهكّم على السفير ميشال عيسى بأنه «ساذج ولا يعرف من لبنان إلا اسمه».

الفرق الدبلوماسية

وبما أن الأمور تقدّمت أكثر نحو البحث العملي، فإن الصيغة الأولية المقترحة من الولايات المتحدة هي إدخال تعديلات عملانية على الإطار الناظم لمراقبة تنفيذ القرار 1701. وتقضي هذه التعديلات بحصر عمل اللجنة العسكرية الحالية في الخروقات الميدانية، علماً أن الرئاسة الأميركية للجنة (ومعها فرنسا إلى حدود معينة وقوى لبنانية أخرى مثل وزير الخارجية يوسف رجي) تعتبر أن الخروقات الإسرائيلية «تأتي رداً على خروقات حزب الله».

ولدى السؤال عما يُقصد بخروقات الحزب يأتي الجواب بأنه «كان يفترض بالحزب أن يبادر إلى تسليم سلاحه في الجنوب، وأن يقدّم الخرائط والإحداثيات الخاصة بمنشآته العسكرية وغير المدنية، وأن يتوقف عن أي نشاط مشبوه لعناصره في كل المنطقة الجنوبية، إلا أنه لم يلتزم، فيما لا يريد الجيش اللبناني القيام بالمهمة، وهذا سبب كافٍ لأن تقوم إسرائيل بالأمر طالما أن لبنان لا يريد القيام به».

عملياً، أنهت الولايات المتحدة عمل لجنة الإشراف بعدما حصرت وظيفتها بالخروقات وتبرير ما تقوم به إسرائيل من دون انتظار أي نتائج للتحقيق من قبل الجيش اللبناني أو قوات اليونيفل. ولم تكن واشنطن لتبادر إلى ذلك لولا أنها شعرت بأنه ليست في لبنان سلطة تحاجُّها وترفض إملاءاتها. وهذه مسؤولية مباشرة تقع على عاتق الرئيسين عون وسلام إضافة إلى قيادة الجيش.

هذه المناخات اللبنانية الرسمية، سهّلت للأميركيين الانتقال إلى المرحلة التي تقضي بتشكيل «فرق عمل دبلوماسية» تتولّى، من جديد، فتح التفاوض على ما يفترض أن تحلّه لجنة الإشراف لناحية إطلاق الأسرى وضمان الانسحاب الكامل وتثبيت نقاط الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. والتعريف الذي أعطته الولايات المتحدة لهذه الفرق، بأنها «دبلوماسية»، أي إنها ليست تقنية أو عسكرية، يعني أنها تريد من لبنان أن ينتدب دبلوماسيين أو سياسيين لحضور اجتماعات مع دبلوماسيين أو سياسيين إسرائيليين، بحضور أميركا وفرنسا وإشرافهما ورعايتهما، للبحث في العناوين الثلاثة.

وتقول واشنطن مسبقاً إنه ينبغي أن يكون هناك تفاوض، ما يعني أن لدى إسرائيل مطالب تريدها مقابل تلبية الشروط، أو أن لديها شروطاً مقابل تلبية مطالب لبنان. وفي الحالتين يكون لبنان قد وقع في الفخ.

تطبيع ولا اسم آخر

وقبل أن يخرج علينا غداً من يطلب منا الصمت وترك «الدبلوماسية تعالج مشكلات لبنان»، ينبغي توضيح بعض النقاط:
أولاً، ليس هناك على الإطلاق ما يوجب على لبنان القبول بهذه الصيغة، وهو يعرف أنها مجرد حيلة، وأن مجموعات العمل ليست سوى الاسم الحركي لمفاوضات التطبيع.
ثانياً، إن تحرير الأسرى أمر بديهي، وليس لدى لبنان أسرى صهاينة ليبادلهم أو حتى يكون هناك تفاوض أو شروط، والعدو هو من خطف الأسرى اللبنانيين من قراهم في الجنوب أو من مكان إقامتهم في ساحل جبل لبنان.

ثالثاً، إن النقاط التي بقي جيش الاحتلال فيها هي أراضٍ لبنانية احتُلت بالقوة، ولا يوجد أي اعتبار أمني أو عسكري يبرّر بقاءها تحت الاحتلال سوى الضغط على أهالي القرى الحدودية لمنع عودتهم إلى قراهم ومنع عملية إعادة الإعمار.

رابعاً، إن الحديث عن مفاوضات لترسيم الحدود ليس له أي أساس قانوني، والأمم المتحدة تؤكد حق لبنان في النقاط التي بقي الاحتلال فيها منذ التحرير عامَ 2000، وبالتالي، المطلوب أن تقوم الأمم المتحدة أو لجنة الإشراف، أو حتى الوسيط الأميركي، بالحصول على تعهّد من العدو باحترام حق لبنان وإخلاء هذه النقاط

خامساً، فتح الباب أمام مفاوضات حول هذه البنود يعني، ببساطة، أن في لبنان من لا يقرأ التاريخ ومن لا يعرف مخاطر خطوة من هذا النوع، وأن في سدة المسؤولية اليوم أشخاصاً عليهم إدراك أنهم يتحملون مسؤولية كل ما ينتج عن هذا المسار التطبيعي، وهي نتائج كارثية بحدّها الأدنى، لأن العدو يريد من لبنان أن ينزع سلاح المقاومة بالقوة، وهو ما يقود إلى حرب أهلية، عدا أنه لا توجد في لبنان قوة قادرة على القيام بهذه المهمة، ومن المفيد هنا تذكير من يجب تذكيره، بأن الرئيس عون نفسه قال للأميركيين بعد الحرب إنه ليس عليهم أن ينتظروا منه القيام بما عجزت أميركا وإسرائيل عن القيام به ضد حزب الله.
هل تراقبون جنبلاط

وما يجري في سوريا؟

المشكلة في لبنان أن أهل القرار لا يبدو أنهم يدركون دقّة ما يجري في سوريا، وقد انساقوا خلف الدعاية الغربية حول مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد. وربما لاحظوا، في الفترة الأخيرة، أن الإدارة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع لا تجيد رسم حدود سلطتها إلا بالدم والنار، كما يحصل في مناطق الساحل، علماً أنها إدارة «شديدة الواقعية» عندما يتعلق الأمر بمناطق أخرى من سوريا، فقط لأن أميركا وإسرائيل ترفعان لواء الدفاع عن جماعات سورية بعينها مثل الأكراد والدروز.

وقد يكون مفيداً للرئيسين عون وسلام طلب الاجتماع بوليد جنبلاط، وسؤاله عن تهديدات مباشرة يتلقّاها لمجرد أنه «عارض» تطبيع دروز سوريا ولبنان مع القيادة الروحية لدروز فلسطين المحتلة، وبسحب البساط من تحت زعامته إن عرقل خطوات التطبيع القائمة الآن، بل أكثر من ذلك بكثير، علماً أن جنبلاط يعرف أن العمل جارٍ من دون توقف لخلق تيار بين دروز لبنان، خصوصاً في مناطق حاصبيا والجنوب، يدعو إلى التفاعل مع دروز سوريا في القنيطرة والسويداء والجولان المحتل، بعدما أنجز العدو المرحلة الأولى من الاحتلال المباشر للأقسام الخاصة بالحدود الشرقية للبنان مع القنيطرة وجبل الشيخ وفتحها على الجولان المحتل، وسيره قدماً نحو وصل ما هو قائم الآن بمناطق السويداء، عبوراً بدرعا أو من دونها. وهي عملية تترافق مع فتح الباب لتشجيع «الدروز الفقراء المتروكين من قبل زعاماتهم» على التوجه نحو الاستفادة من برامج دعم كبيرة تحضّر لها إسرائيل، ولا تقتصر فقط على العمال في الجولان، بل في تنفيذ ودعم مشاريع زراعية وصناعية وسكنية وتربوية وصحية، ضمن برنامج تصل موازنته إلى 1.1 مليار دولار.

هل انتبه هؤلاء إلى أن إسرائيل أعلنت رسمياً أمس، أن أول أيام عمل لدروز سوريا في الجولان هو بتاريخ 16 آذار، الذي يصادف ذكرى اغتيال كمال جنبلاط؟

الأخبار \ ابراهيم الأمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى