بين سنة العراق المدللين وشيعة البلدان العربية البائسين \ علي المؤمن

لا أعتقد أن ثمة أقلية مذهبية قومية في العالم تحظى بكل هذا الدلال والتميز والاهتمام من قبل الأكثرية السكانية المذهبية وحكمها، كما يحظى به السنة العرب في العراق، وهو دليل على أن الشيعة ليسوا طائفيين، وأنهم رحماء بأبناء وطنهم، ولا يفرقون بين مواطن وآخر على أساس المذهب والدين والقومية، ولا يعرفون التعصب المحرّم، لأنهم ينتمون إلى مدرسة آل بيت النبوة.. مدرسة المحبة والتسامح والألفة والوحدة والتقارب والتعايش. فبعد مشاركتها في حكم العراق بعد العام 2003، تبرعت الأحزاب الشيعية بالكثير جداً من استحقاقات الشيعة للسنة العرب، من أجل إرضائهم وكسبهم، وهو تبرع لم يكن مجدياً، إذ لا تزال نخبهم تصرخ بأن السنة العرب مهمشون وغير مشاركين بالقرار، رغم انهم بستحوذون على ثلث نسبة القرار ونسبة المناصب في الدولة، مقابل ثلث للأكراد وثلث للشيعة، لكنهم يطالبون بالمناصفة في القرار السياسي والتشريعي، رغم أن نسبة العرب السنة لا تتجاوز 16 بالمائة من نفوس العراق، ونسبة الكرد السنة لا تتجاوز 14بالمائة، مقابل 65 بالمائة هي نسبة الشيعة، ورغم أن أغلب النخب السنية المشاركة في الحكم لا تتفاعل مع العراق الجديد، وتطمح للعودة إلى العراق العنصري الطائفي في مرحلة ما قبل العام 2003،
ورغم أن كثيراً منها حارب العراق الجديد بالسلاح وبالاستقواء بالمحيط الطائفي. فهل هناك دلال يفوق هذا الدلال؟
على العكس من الأنظمة السنية الطائفية التي تتشدد يوماً بعد آخر في قمع الشيعة المسالمين، وتهميشهم مذهبياً وإقصائهم من مناصب الدولة، برغم نسبهم السكانية العالية في بعض هذه البلدان. وكان آخرها حكم العصابات التكفيرية في سوريا، والذي لم يكتف بتحويل سوريا إلى دولة سنية مغلقة لا وجود فيها لأي حضور سياسي أو مذهبي للشيعة، بل قام بشن حرب شاملة ضدهم، برغم أن نسبة السنة العرب في سوريا لا تزيد عن 60 بالمائة من عدد سكان سوريا. وأن نسبة الشيعة والعلويين يزيد عن 20 بالمائة.
وهو الأمر نفسه في تركيا؛ فنسبة الشيعة والعلويين تتجاوز 35 بالمائة من سكان تركيا، لكنهم يعيشون أبشع حالات التهميش والاقصاء. كما هو الحال مع السعودية التي تزيد نسبة الشيعة فيها على 20 بالمائة من عدد السكان.
أما شيعة البحرين؛ فهم يعيشون أم الكوارث، بالنظر لنسبتهم السكانية التي تقارب 70 بالمائة من عدد سكان البحرين، ونسبة حضورهم السياسي والمذهبي في مفاصل الدولة، والتي لا تزيد عن 10 بالمائة من حجم هذه المفاصل.
وبما أن الأشياء تعرف بأضدادها؛ فإن مقارنة بسيطة بين حظوة السنة الفريدة في العراق وبؤس الشيعة المتزايد في البحرين والسعودية وتركيا وباكستان وأفغانستان وسوريا وغيرها؛ ستوضح حجم المفارقة الأخلاقية والإنسانية، وتأثير الموروث العقدي المذهبي والتاريخي السياسي لكلا الفريقين.
المصدر : الدكتور علي المؤمن مفكر إسلامي عراقي، متخصص في الفكر السياسي الإسلامي والفكر السياسي المعاصر والشأن العراقي والجماعات الإسلامية. حاصل على الدكتوراه في القانون الدستوري.